السؤال :
هل من به مرض الوسواس ينطبق عليه قول الله تعالى (ولا على المريض حرج) بمعنى أن الموسوس يكثر وهمه، فأحيانا مثلا في الصلاة يترك ركنا أو واجبا حقيقة، لكن يحاول تجاهل ذلك- لأنه يكثر منه التوهم - حتى لا يتغلب عليه الشيطان ويسيطر عليه.
الاجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أن الموسوس إذا تيقن أنه ترك ركنا أو واجبا كان عليه أن يتدارك ذلك النقص على الوجه المفصل في كتب الفقه، ومثله في ذلك مثل غير الموسوس إذا حصل عنده اليقين بالترك، وأما إذا لم يحصل له اليقين بالترك، بل كان ذلك مجرد وهم وشك وخيالات يلقيها الشيطان في قلبه ليفسد عليه عبادته، فالواجب عليه هو أن يعرض عن الوساوس جملة فلا يلتفت إلى شيء منها، لأن التفاته إلى الوسوسة يفتح عليه من أبواب الشر شيئا عظيما، ولأن استرساله مع الوساوس يفضي إلى الزيادة في العبادة بيقين، ولا يتم علاج الوساوس إلا على هذا الوجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة وانتهاء العبد وأن يقول إذا قال لم تغسل وجهك: بلى قد غسلت وجهي. وإذا خطر له أنه لم ينو ولم يكبر يقول بقلبه: بلى قد نويت وكبرت. فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس، فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق فيندفع عنه، وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات مستجيبا إلى الوساوس والخطرات أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول، وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة. انتهى.
وقد نص الفقهاء على أنه لا يلتفت إلى الوسواس، وأن هذا هو الواجب عليه حتى يعافيه الله تعالى، قال في مطالب أولي النهى: ولا يشرع سجود السهو إذا كثر الشك حتى صار كوسواس فيطرحه. وكذا لو كثر الشك في وضوء وغسل وإزالة نجاسة وتيمم فيطرحه لأنه يخرج به إلى نوع من المكابرة فيفضي إلى زيادة في الصلاة مع تيقن إتمامها فوجب إطراحه واللهو عنه لذلك. انتهى. وراجع الفتوى رقم: 51601، وهذا من تخفيف الله على عباده ورحمته بهم، فهو تعالى لم يكلفهم ما لا يطيقون، ورفع عنهم الحرج بقوله: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 87} وقال عز وجل: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة 286} وقال تبارك وتعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}، وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم. والآية المذكورة وهي قوله تعالى: وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ. قد تصلح بعمومها للدلالة على المقصود، فإن المبتلى بالوسوسة مريض، فهو مأمور بأن يتقي الله ما استطاع، ويفعل ما يقدر عليه، ثم هو غير مؤاخذ بما عجز عنه، وقد ذكر الله تعالى أنه رفع الحرج عن المريض في موضعين من كتابه، أحدهما في سورة الفتح، وهو في رفع الحرج عنهم في ترك الجهاد باتفاق، والثانية في سورة النور واختلف في سبب نزولها ومعنى الحرج المرفوع فيها على أقوال ذكرها ابن كثير رحمه الله، واختار السعدي رحمه الله أن الآية تعم كل حرج فهو مرفوع عنهم، قال في تفسير آية النور: يخبر تعالى عن منته على عباده، وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج بل يسره غاية التيسير، فقال: لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ أي: ليس على هؤلاء جناح، في ترك الأمور الواجبة، التي تتوقف على واحد منها، وذلك كالجهاد ونحوه، مما يتوقف على بصر الأعمى، أو سلامة الأعرج، أو صحة للمريض، ولهذا المعنى العام الذي ذكرناه، أطلق الكلام في ذلك، ولم يقيد، كما قيد قوله: وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ. انتهى كلامه رحمه الله.
والله أعلم.