الحمدلله الذي بيده الملك، والملكوت، وله العزة والجبروت، أحمده سبحانه وأشكره، له العظمة والكبرياء، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحدة لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، الموصوف بجميل النعوت، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين:
أخي ..
في الحياة ومواقفها عبر لمن اعتبر، وفي تقلب النّاس وتبدل أحوالهم ذكرى لمن تذكر ..
يسير النّاس كل النّاس في هذه الدنيا فرحيين جذلين يتسابقون في دنياهم ويلهثون وراء أمانيهم، كلٌّ بحسبه: الصغير والكبير الرجال والنساء .. ترمقهم من حولك يجرون ويلهثون، كلٌّ يسعى لشأنه.. والمعظم منهم قد غرق في غيه ولهوه وشهوته وأمانيه .
لكن يا رعاك الله، أعطني قلبك وافتح لي سويداء فؤادك، ودعني وإيّاك نتأمل في هذا المشهد العظيم وذلك المنظر الرهيب .. أما سمعت عنه؟
أما تخيلته يوماً ما .. إنّه مشهدٌ جدير بنا جميعاً أن نتذكره وأن نتأمل فيه، بل جدير بنا أن لا يفارقنا: بينما أنت بين أهلك وأطفالك تغمرك السعادة، ويغشاك السرور وتمازح هذا وتلاطف ذاك.. بهيُّ الطلعة، فصيح اللسان، قائم الأركان، إذ بقدميك تعجزان عن حملك لتسقط شاحب الوجه شاخص البصر، قد أعجم لسانك وأعطلت أركانك، والأهل حولك قد تحلقوا وبأبصارهم إليك نظروا.. وبك صرخوا.. ينادونك فهل تجيب؟.. بماذا تحس؟ بماذا تشعر؟ وأنت تنظر إليهم بعينين ذابلتين، تريد الحديث فما تستطيع، ترفع يديك لتضمهما إليك فما تقدر..
أمك قد غصّت بدموعها وأبناؤك قد ارتموا على صدرك الحنون، وزوجتك قد غشاها الذهول .. فليت شعري أيُّ حال هي حالك؟! ..
ووالله يا عبدالله، ما حالي وحالك إلاّ كما قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ : "ألا أدلك بيومين وليلين لم تسمع الخلائث بمثلها؟.. أول يوم يجيؤك البشير من الله إمّا برضاه وإمّا بسخطه، واليوم الثاني يوم تعرض فيه على ربّك آخذاً كتابك إمّا بيمينك وإمّا بشمالك .. وأول ليلة تبيتها في القبر والليلة الثانية صبحها يوم القيامة".
نعم يا عبدالله: ليلتان اثنتان .. ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في مخيلته .. ليلة في بيته مع أهله وأبنائه متعاً سعيداً فرحاً مسروراً يضاحك أولاده ويضاحكونه، والليلة التي تليها مباشرة أتاه ملك الموت فنقله بأمر ربّه من الدور إلى القبور ومن السعة إلى الضيق ومن الفرش الوثيرة والقصور المثيرة إلى ظلمة مخيفة ووحشة رهيبة وسفر بعيد، وهول مطلع شديد: { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)} [سورة ق: 19-22].
أول ليلة في القبر يا عبدالله شكا منها العلماء وشكا من هولها الأولياء وصنفت فيها المصنفات.
حين حضرت العالم العابد محمد بن سيرين الوفاة بكى.. فقيل: ما يبكيك؟ فقال: أبكي لتفريطي وقلة عملي للجنّة العالية، وما ينجيني من النّار الحامية.
إنّها حقيقة الموت وما بعد الموت.. الموت الذي سيذوقه كل واحد منّا، فقيراً كان أو غنياً، صحيحاً كان أو سقيماً، كبيراً كان أو صغيراً، رئيساً أو مرءوساً، ولن ينجو من الموت أحد ولو فر إلى مكان بعيد أو برج عال أو واد سحيق، قال تعالى: {اَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [سورة النساء: من الآية 78].
الموت يا محب ـ على وضوح شأنه وظهور آثاره ـ سرٌّ من الأسرار التي حيرت الألباب وأذهلت العقول..
الموت حقيقة ما أقربها! وما أسرع مجيئها! فما الأعمار في الحقيقة إلاّ أزهار تتفتح ثم تذبل، أو مصباح ينير ثم ينطفئ، وليبحث أرباب المطالع وطلاب الدنيا، ليبحثوا فوق رمال تلك القبور المبعثرة وبين أحجارها المتهدمة المتساقطة، ليعلموا أنّ طرق الشهوات والملذات المحرمة وإن كانت تلوح لناظريه بالأزهار، فإنّ نهايتها تلك القبور المظلمة والحفر الموحشة، فطوبى!! لمن أتاه بريد الموت بالإشخاص قبل أن يفتح ناظريه على هؤلاء الأشخاص..
الموت باب، وكل الناس داخله *** ياليت شعري بعد الموت ما الدار؟
الدار جنة الخلد إن عملــت بما *** يرضى الإله وإن قصــّرت فالنــار
يا عبدالله، عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها يكون النّاس فريقين فريقاً يثبت عند المصائب، ويؤمن من المخاوف، ويبشر بالجنّة، وفريقاً يكابد غاية الخزي والإذلال والشقاء والهوان..
وعند النهاية تميز النهاية.. نعم إنّها النهاية.. محطة أقلقت الخائفين.. وأرقت عيون العارفين.. وأسهرت بالإسحار عيون عباد الله المتقين.. محطة لطالما تساقط عندها المذنبون وهلك بأرضها الهالكون..
عند الموت يا عبدالله تكون حال الإنسان إحدى حالتين .. إمّا أن يكون من أهل الخير والصلاح فهذا ميتته ميتة طيبة ويبشر بالعفو والغفران ورب راض غير غضبان قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)} [سورة فصلت: 30-31].
وأمّا إن كان العبد من أهل الكفر والضلال والفجور والفساد فهذا يبشر بالويل والعذاب: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [سورة الأنعام: 93].
أخي الكريم..
إنّ مصير المرء بعد موته ـ وإن كان الله قد أستأثر بعلمه والكلام عنه من الرجم بالغيب ـ ولكن لما كانت الخاتمة من القرائن المبيّنة لمصير الآخرة فقد جاء التأكيد عليها والتحذير من الغفلة عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: «إنّما الأعمال بالخواتيم».
وإن آخر ساعة في حياة الإنسان هي الملخص لما كانت عليه حياته كلها، وهي ترجمة لما كان يفعله المرء أثناء عمره من الخير والشر..
والقلب أثناء نزول الموت بالمرء، لا يظهر منه إلاّ ما كان بداخله وما استهواه صاحبه، فانظر ما في قلبك وما تحب في الدنيا فهو خارج منه أثناء النهاية شاء ذلك صاحبه أم أبى.
وهذه صور لنهايات كان أصحابها يعيشون كما نعيش وسنموت كما ماتوا: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)}[سورة الرحمن: 26-27]، أسوقها لعل فيها عبرة للمعتبرين وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
علامات حسن الخاتمة
إنّ حسن الخاتمة أن يتوفاك الله على الإسلام، وأن يوفق الله العبد للتوبة عن الذنوب والمعاصي والإقبال على الطاعات.
وإن من أعظم علامات حسن الخاتمة ما يبشر به العبد عند موته من رضا الله تعالى واستحقاقه كرامته تفضيلاً منه ـ تعالى ـ كما قال تعالى:
{اِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ اَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَاَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [سورة فصلت: 30].
من علامات حسن الخاتمة أيضاً، الموت على عمل صالح من صلاة أو صيام او جهاد أو قراءة قرآن.
صور لحسن الخاتمة
ذكر أهل السير أنّ أبا مريم الغسّاني ـ رحمه الله ـ كان صائماً يوماً من الأيّام، فنزل به الموت واشتد به الكرب، فقال له من حوله: لو جرعت جرعة من ماء. فقال بيده: لا .. فلما دخل المغرب قال: أذن ؟! قالوا: نعم ففطَّروه وجعلوا في فمه قطرة ماء ثم مات بعدها.
وذكر بعض الفضلاء أن امرأة عجوزاً كانت من أهل الصلاة والطاعة، وفي يوم وهي في مصلاها ساجدة، أرادت أن ترفع من سجودها فلم تستطع، صاحب بابنها، أجلسها كهيئة السجود، حملها إلى المستشفى، ولكن لا فائدة، فقد تجمدت أعضاؤها على هذه الحال، قالت يا بني خذني إلى مصلاي أتعبد وأصلي إلى أن يفعل الله ما يشاء، ولم تزل في صلاة وهي على هيئة السجود لا تقوى على الحراك، فقبض الله روحها وهي ساجدة، غسولها وهي ساجدة، كفنوها وهي ساجدة، أدخلت إلى قبرها وهي ساجدة، وتبعث يوم القيامة بإذن الله وهي ساجدة.
وإنّ من أعظم علامات حسن الخاتمة الموت في سبيل الله: أن يموت العبد، وقد قدم نفسه وأرخص روحه وباع مهجته الله تعالى .. مجاهداً أعداء الدين ومدافعاً عن عباد الله المؤمنين.
ذكر الذهبي في السير عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعيد بن الربيع، فقال لي: " إن رأيته فاقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجدك؟ فطفت بين القتلى فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة " .. فأخبرته .. فقال: على رسول الله السلام وعليك، قل له يا رسول الله !!! إنّي أجد ريح الجنة .. وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله، إن خُلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرق قال وفاضت نفسه رضي الله عنه وأرضاه .
وذكر أنّ أحد الصالحين مرض مرض الموت وكان صائماً فقال له أبناؤه: افطر، فقال: لا، فلما أصروا على ذلك وقربوا له الماء رده بيده، وقال: إنّي لأجد ريح الجنّة، فمات صائماً قبل المغرب.
علامات الخاتمة السيئة
وفي المقابل هناك صور للخاتمة السيئة أعاذنا الله وإيّاك منها، وإن من علامات الخاتمة السيئة أن يتوفى الله العبد على غير الإسلام أو أن تكون وفاة الإنسان وهو معرض عن ربّه ـ جل وعلا ـ مقيم على ما يسخطه، مضيع ما أوجبه، أو أن يتوفاه الله وهو معاقر لمنكر. ولا ريب تلك النهاية سيئة بسيئة طالما خافها المتقون وعباد الله المؤمنون.
وإنّ من أسباب سوء الخاتمة يا عبدالله، أن يصر العبد على المعاصي وما ألفها، فإنّ الإنسان إذا ألف شيئاً مدة حياته أحبه فعلق قلبه به، فالغالب أنه يموت عليه إن لم يتب من ذلك.
صور لسوء الخاتمة
في أحد الطرق كان ثلاثة من الشباب يستقلون سيارتهم بسرعة البرق، والموسيقى تصيح بصوت مرتفع، وهم فرحون بذلك كحال كثير من شبابنا ـ إلاّ من رحم الله ـ كان من أبعد ما يفكرون فيه أن يفارقوا هذه الدنيا، كانت الآمال تطير بهم وهم يتابعون تلك المزامير، وفجأة حدث ما لم يكن بالحسبان.. انقلبت السيارة عدة مرات.. وصلت سيارة الإسعاف، حملت المصابين أحدهم كان مصاباً إصابات بليغة، جلس صديقاه بجانبه كان يتنفس بصعوبة، والدم قد غطى جسده حتى غيّر ملامحه حينئذ علم الضابط أنّه يلفظ أنفاسه الأخيرة.. عرف اسمه من صاحبيه قال له: يا فلان قل لا إله إلاّ الله، يا فلان قل لا إله إلاّ الله. فيقول: هو .. (يقصد نفسه) في سقر. فيقول: يا فلان قل لا إله إلاّ الله. فيقول: هو في سقر ثم سقط رأسه ولفظ أنفاسه ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وكم سمعنا وسمعت عمّن مات مغشياً أو لفظ أنفاسه وهو يعد أمواله وينمي دراهمه.
ذكر ابن قيم في كتابه القيم (الداء والدواء) هذه القصة العجيبة فقال: "يروى أنّه كان بمصر رجل يلزم مسجداً للأذان والإقامة والصلاة، وعليه بهاء الطاعة وأنوار العبادة، فرقي يوماً المنارة على عادته للأذان، وكان تحت المنارة دار لنصراني، فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار فافتتن بها فترك الأذان ونزل إليها، ودخل الدار عليها فقالت: ما شأنك وماتريد، قال: أريدك، فقالت: لماذا؟ قال: قد سبيت لبي وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك لريبة أبداً، قال: أتزوجك، قالت: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك، قال: اتنصر!! قالت: إن فعلت أفعل، فتنصر الرجل ليتزوجها، وأقام معهم في الدار، فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات، فلم يظفر بها، وفاته دينه!!".
فليحذر العبد المعصية أن تخونه عند موته يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ: "إنّ الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت".
ويقول ابن القيم نقلاً عن الإشبيلي ـ رحمه الله ـ: "وسوء الخاتمة لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، إنّما تكون لمن له فساد في العقيدة أو إصرار على الكبيرة أو إقدام على العظائم، فربّما غلب ذلك عليه حتى ينزل عليه الموت قبل التوبة فيأخذه قبل إصلاح الطوية ويصطدم قبل الإنابة والعياذ بالله.
والقصص في هذا كثير يطول المقام بذكره ولكن المقصود من القصة أخذ العبرة والاستفادة.
الإكثار من ذكر الموت
يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أكثروا ذكر هادم اللذات» [رواه الترمذي] يعني الموت، وذكر الموت يقلل كل كثير ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، ويعين على العمل الصالح والإكثار من ذكر الله هو سبيل المؤمنين وعباد الله المتقين.
كان الحسن بن يسار كثيراً ما يقول: "يا ابن آدم! نطفة بالأمس، وجيفة غداً، والبلى فيما بين ذلك يمسح جبينك كأن الأمر يعني بع غيرك،إن الصحيح من لم تمرضه القلوب، وإن الطاهر من لم تنجسه الخطايا، وإن أكثركم ذكراً للآخرة أنساكم للدنيا، وإن أنسى النّاس للآخرة أكثرهم ذكراً للدنيا، وإنّ أهل العبادة من أمسك نفسه عن الشر، وإن البصير من أبصر الحرام فلم يقربه، وإنّ العاقل من يذكر يوم القيامة ولم ينس الحساب".
وهذا مالك بن دينار ـ رحمه الله ـ كان يقول طوال ليلته قابضاً على لحيته ويقول: "يا رب قد علمت ساكن الجنّة! وعلمت ساكن النّار ! ففي أي الدارين منزل مالك؟ .. "
ويبكي بعضهم عند الموت، فسئل عن ذلك فقال: "إني سمعت رسول الله يقول: {و َبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [سورة الزمر: من الآية 47]".
أخي..
إنّ فئاماً من النّاس لا يحبون أو لا يحبذون الحديث عن الموت وساعة الاحتضار.. لأنّ ذلك على حد زعمهم يؤلمهم ويشعرهم باليأس ويقطع حبل أملهم ويؤرّق حياتهم فهم يريدون العيش دون سماع ما ينغَّص حياتهم ويفزع خواطرهم.. وأغلب هؤلاء ممّن قصروا في حق ربّهم وخانوا أنفسهم .. وإن الحديث عن الموت يا محب كما أنّه شرع ودين فهو سجية العقلاء والراشدين.
يقول عبدالرحمن بن مهدي: "لو قيل لحماد بن سلمة أنك تموت غداً، ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً لأن أوقاته بالتعبد معمورة وعن الشر يديه مقصورة".
والاستعداد للموت ليس بالأماني الباطلة والألفاظ المعسولة بل هو بهجر المنكرات، والثواب إلى رب الأرض والسموات، وإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب وبر الوالدين وصلى الرحم.
ولكن يا عبدالله متى يستعد للموت من تظلله سحائب الهوان ويسير في أودية الغفلة؟!
متى يستعد للموت من لا يبالي بأمر الله في حلال أو حرام؟!
متى يستعد للموت من هجر القرآن، ولا يعرف صلاة الفجر من الجماعة، من أكل أموال النّاس بالباطل وأكل الربا وارتكب الزنا؟!
كيف يكون مستعداً للموت من لوث لسانه بالغيبة والنميمة وامتلأ بالحقد والحسد وضيع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم؟!
فيا أيّها المذنب وكلنا كذلك عد إلى ربّك وجدد التوبة قبل فوات الآوان ولات ساعة مندم، فالحذر الحذر يا عبدالله والبدار البدار والتوبة التوبة وعلينا جميعاً الاستعداد لذلك اليوم وتلك النهاية كما كان هو دأب السلف الصالح.
وصل اللّهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين