مسؤولية الطالبِ الجامعي..
رؤية في واقع..
للإنسان في حياته أدوار شتى ، ولكل دور منها مهامه وواجباته ، فالأم دور، والأب دور ، والأخ والأخت دور ، والطالب دور ، والمعلم دور ، وغيرها من الأدوار…الخ، والشعور بالتكليف تجاه تلك الأدوار والقيامِ بواجباتها هو ما تعرف به المسؤولية في عمومها، ويعرف صاحبها بالفرد المسؤول.
وحقيقة ذلك الشعور بتخصيصه في واقع الفرد المسلم يتمثل بالشعور بالأمانة الكبرى الملقاةِ على عاتقه، وتلك الأمانة تتمثل في أعلى مقاماتها بقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السمواتِ والأرضِ فأبينَ أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}.
ونظرة خاطفة للواقع شاهدة على أهمية المسؤولية ، لما ترتب على غيابها انحطاطاً فكرياً واجتماعياً ودينياً.
قد هيئوك لأمرٍ لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
غير أنّ الإنصاف يرتفع عن القول بالغيابِ التام للمسؤولية ، ذلك أنّها تتأتى بطبيعة الإنسان السوية والفطرة، بيدَ أنّ الأدوار الكثيرة التي تكتنف حياة الفرد، تحملُ البعضَ على القيام بمسؤوليات بعضها على حساب البعض الآخر!، والقلة من تسير على المنهج السديد فيها ، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : (فأعطِ كلّ ذي حقٍ حقه) .
ولو فتشنا عن أسباب تضاؤل المسؤولية ، لوجدنا الجهالة بكنه المسؤولية في دورٍ ما، والوعي التام بحقيقتها تحظى بنصيبِ الأسدِ في مجتمعاتنا، وفوق ذاك توافرُ معوقاتِ المسؤولية الهدامةِ لها.
رأيتُ أن أقف في هذا المقال عند مسؤولية الطالب، وبالأخص الطالب الجامعي، وما رأيتها إلا لكوني أعايشُ واقعها بكلّ تجلياته بصفتي طالبة جامعية، ولكونها مسؤولية تغيبُ في غفلاتِ الكثيرين والكثيرات، وفي غياب حقيقة الإدراك بها وبأهميتها الكبرى.
تتجلى مسؤولية الطالب الجامعي في مناحٍ شتى، مناحٍ تكتنفها المرحلة العمرية الخصبة التي يحياها الطالب في تلك المرحلة التعليمية، وتتباين بحسب كل طالب تبعاً لعوامل نفسية واجتماعية، باعتبار بروز تأثيراتهما.
أولى المسؤوليات تتمثل لنا من لفظ (الطالب) المسؤولية التعليمية، ولربما في هذا المقال أخرج بها عن التنظير والدقة المعلوماتية إلى واقعِ رؤيةٍ شعورية تعتلجني في لحظة تأمل وتفكر، أجدها تنازع طرفين ما بين إفراط وتفريط، ولكلّ طرفٍ مبرراته التي تتسم بشيء من المنطقية.
فجانبُ الإفراطِ وإن كان قليلاً، يتمثل في التحصيل الظاهري (الحفظ مقدم على الفهم)، فقط للحصول على المعدل المرتفع، والدرجاتِ العالية، والبعد التام عن التطبيق والتفعيل للمادة النظرية، والمبرر كونه أقصر الطرق للوصول إلى مصافِ البارزين في الجامعة.
والعتب الحق لا يقف عند هذا الطرف، ذلك أنّ أنظمة التعليم في جامعاتنا في معظمها قائمة على التحصيل الأكاديمي الذي يكشف عنه المعدل التراكمي للطالب على الورق، والبعد الشبه التام عن التقييم الحقيقي للتحصيل العلمي للطالب، وإدراكه للمعلومة التي حفظت في خزانةِ ذاكرته الملأى!
أما جانب التفريط وهو الغالب، فهو يتمثل في الاكتفاءِ بأدنى تحصيل يكفي لتجاوز المرحلة الجامعية بوثيقة التخرج!، والمبرر هو كونُ القناعةِ كنزٌ لا يفنى!!، خصوصاً مع قلة الوظائف، والرغبة الجامحة بالمتعة ما دامت النهاية في الأغلب متوقعة، ومحكومة بالقدر!، وجرعةٌ من فيتامين (واو)!!!.
ومناقشةً لكلا الطرفين، أو نقضاً لمبرراتهما، فإن المسؤولية التعليمية لا تنبغي لها نظرة مستقلة، وعليها يبني كل طرف تصوراته، وإن ثمةَ واقعٌ تبنى عليه، ما دام هذا الواقع بعيدٌ عن الواقع المثالي المنشود، وهو المنظور الإسلامي لهذه المسؤولية، لأن الإسلامَ واقعُ حياةٍ بأكملها، ومن كلّ جوانبها، فهو شريعة الله الكاملة.
فالوسطية التي تتمثلُ في منظور الإسلامِ في المسؤولية التعليمة، وفي غيرها، قامت الدعوةُ إليها على أساس "سددوا وقاربوا"، وقامتْ على أساس الفهم الصحيح وتفعيله : {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}، فالدعوة في الآية تفعيل للفهم الصحيح المتمثل في المسؤولية التعليمية.
وبذلك فإن الأساس الذي قامتْ عليه المسؤولية التعليمية في الإسلام، يحتاجُ إلى وعي وإدراك، فهما طريقا التسديد والمقاربة، وهما المحك الذي تقوم عليه المسؤولية التعليمية، والتي تشفها ثلاثة أسئلة: لماذا أتعلم هذا؟ وكيف أتعلمه؟ وكيف يتجلى تعلمي له؟.
وثاني مسؤولية –من وجهة نظري- تتمثل في الأنشطة الثقافية اللامنهجية، وهي مسؤولية الموهبة والعطاء، ذلك أنّ المرحلة العمرية للطالب الجامعي مرحلة خصبة ربيعية لها قابلية كبيرة لأن تؤتي أكلها وأثمارها.
وهذه المسؤولية لم تعطَ حق الاهتمامِ بها، لا من شأنِ المسؤولين الذي تلقى على عاتقهم بالدرجة الأولى، ولا من شأن الطلبة أنفسهم، مع كونها تعودُ عليهم بالدرجة الأولى.
أما الطلبة المعرضون عنها، فهم فيها طرفان، فطرفٌ يتعالى عنها، بحجة التأثير على مستوى التحصيل العلمي، أو غير ذلك مما يجسدُ نظرة التقليل والتحقير لها. وطرف ينأى عنها لا تعالياً، بل رغبةً في التحرر المطلق المفتوح على مصراعيه، وبكل أشكاله البعيدة عن الالتزامِ بأي أمرٍ من الأمور ولو كان في مجالِ الترفيه المثمر!
وأما المسؤولون عنها، فإن قلة الوعي بنفسيات الطلبة واحتياجاتهم المتولدة عن مستجداتِ الحياة، وفورة الجيل الجديد، أجدها من أهم الأسباب التي تعيق القيام بهذه المسؤولية. كما أنّ تقييد العطاء بأنظمة صارمة، وقديمة!، يقتل العطاء ويصرف الطالب عن الأداء الفعال المتمثل في الإبداع والتجديد البناء.
كذلك غياب التواصل بين الطالبِ الجامعي وأستاذه، مما يسهم في فتور الطالب وقلة اهتمامه، بينما لو تمّ تفعيل هذا التواصل على أوجّه لتفجرت طاقاتٌ هائلة في إطارِ التوجيه والإرشاد الذي يرقى بالطالب ويحفظ له حماسه.
كذلك غيابُ روحِ التنافس، في إطارِ العمل الفردي أو الجماعي غير المنظم، وفرض نوعية مختارة ومكرورة من الأنشطة، أو حصر الأنشطة في إطار معين، غيابُ الوضوح التام من الطرفين، عدم الاهتمام بمسألة الوقت، كلّ ذلك يهدّ أركان هذه المسؤولية التي يفترض أن تتجلى بقوة عند الطالب الجامعي.
كم أحلم وكثيرات بمنح الطلبة مساحةً كافية من الحرية في حمى التوجيه، بحيث يكون لشريحة الطلبة اهتمام ينع***ُ في تفعيل هذه الشريحة المعبأةِ بطاقاتٍ هائلةٍ قادرة على العطاء بمختلف أشكاله وألوانه.
ثمةَ مسؤولياتٌ أخرى في حياة الطالبِ الجامعي، بيد أني أكتفي بهاتين المسؤوليتين لما رأيتُ أهميتهما وما اعتراهما من شطحات ليستْ من أدائها في شيء!
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته..
كتبته: خالدة بنت أحمد باجنيد